لعبة المناطق الآمنة
يبدو أنه لم يعد للسوريين كلمة رغم كثرة المؤتمرات والحلول المقترحة٬ فالمبعوث الأممي لسوريا ستيفان دي ميستورا قرر من عنده أن يختار من يمثل التنظيمات المعارضة٬ والروس كتبوا دستور سوريا المستقبل٬ وجاءوا به مطبو ًعا لمؤتمر آستانة٬ ومسؤول الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي قال بالنيابة عن اللاجئين لا لإقامة مناطق تؤويهم. هكذا الوضع في سوريا أصعب وأغرب من أي يوم مضى في السنوات الماضية.
ملايين اللاجئين السوريين تحولوا إلى كرة تتقاذفها الحكومات٬ بخاصة بعد أن فاجأ الرئيس الأميركي دونالد ترمب الجميع بتبنيه فكرة إنشاء مناطق آمنة للاجئين داخل سوريا٬تلك التي وعد بمثلها الرئيس الأميركي السابق عام 2012 ثم تخلى عنها. والوضع الحالي ليس سيئًا فقط٬ بل مفزع جدًا. هناك أكثر من اثني عشر مليون لاجئ سوري يشكلون أكبر رقم في تاريخ الحروب الأهلية منذ الحرب العالمية الثانية... صاروا قنابل تهدد أمن دول مثل تركيا ولبنان٬ وكذلك استمرار كيان الاتحاد الأوروبي٬ وأصبحوا جز ًءا من الخلاف الداخلي في الولايات المتحدة.
أما المفوض الدولي لشؤون اللاجئين٬ الذي يفترض أنه أكثر شخص في العالم يهتم بإيواء ملايين التائهين في المنافي٬ فعاد من دمشق ليصرح بأنه ضد إقامة مناطق آمنة بديلاً. فهل بمقدوره أن يقنع دول العالم باستقبال ملايين اللاجئين الحاليين٬ والملايين اللاحقة؟ بالتأكيد لا. هل للاجئين في داخل سوريا! غريب موقفه٬ لأنه لا يملك حلاً يستطيع أن يقنع الدول المضيفة٬ مثل لبنان٬ بالاستمرار في تحمل هذا العدد الهائل على أراضيها؟ جرب وفشل.
ووجهة نظره ليست خاطئة تما ًما٬ بأن حماية هذه المناطق ورعايتها مهمة شبه مستحيلة٬ لكن في الوقت نفسه يتناسى أن ملايين اللاجئين لا يعانون من نقص الأمن فقط٬ بل أيضا من الجوع والبرد٬ وبلا مأوى. لا يوجد حل مثالي. مع هذا٬ فإن المناطق المقترحة على الأقل تفي بوقف التدفق ووقف عملية التطهير الطائفية٬ التي كانت سياسة متعمدة٬ بتصدير المشكلة السورية إلى العالم بدل أن تكون مشكلة النظام وحده. ملايين المشردين الهائمين على وجوههم كانوا غنيمة رابحة لمنظمات إرهابية٬ فجندت من بينهم متطوعين غاضبين٬ مستعدين للقتال تحت أي راية. استخدمتهم في عمليات إرهابية ضد دول صديقة وأخرى محايدة وعدوة٬ وضد منظمات سورية في حروب عبثية مجنونة.
هذه محصلة سياسة التهجير والتشريد٬ التي عُرض لها الشعب السوري خلال السنوات الست الماضية٬ والآن أصبح اللاجئون القضية الأولى٬ وقد يقودون القاطرة لمشروع السلام٬ الذي أصبح ملفًا مستعجلاً. صار اللاجئون السوريون أهم قضية للعالم من كل القضايا٬ وقد يكونون المفتاح لوقف المذابح والتهجير.
نقلا عن "الشرق الاوسط"